( الصفحة 18 )
التعيين; لعدم تعيّن الزمان له ، خصوصاً إذا كانت عليه عناوين متعدّدة من الصوم ، فيصير حينئذ كالإتيان بأربع ركعات في المثال المتقدّم .
والظاهر أ نّ هذا هو الحقّ الموافق للتحقيق ; فإنّه إذا لم يكن للعنوان الطاري والمضاف إليه الصوم خصوصيّة غير الزمان المخصوص، والمفروض أ نّه نوى الصوم في ذلك الزمان مع قصد القربة ، فلا وجه لاحتمال بطلان صومه وإن لم يكن العنوان معلوماً له أصلاً ، ولذا ذكر في المتن أ نّه لو نوى غير رمضان فيه جاهلاً به أو ناسياً له صحّ صومه ويقع عن رمضان ; لأ نّه لا يزيد على الزمان المخصوص ، والمفروض أ نّه نوى الصوم في ذلك الزمان .
نعم ، في صورة العلم بكون الغد من رمضان إذا نوى صوم غيره لا يقع لواحد منهما ، أمّا غير رمضان فلعدم صلاحيّة الوقوع فيه ; فإنّه لابدّ في شهر رمضان إمّا الصوم مع وجود شرائط وجوبه ، وإمّا الإفطار ، كما في المريض والمسافر قبل الزوال ، وأمّا الرمضان ; فلانّه لم يقصد الإتيان بما هو المأمور به حقيقة ، فلا وجه للوقوع عنه ، ومرجع عدم لزوم قصد الرمضان إلى عدم اعتبار قصد هذا العنوان ، لا كفاية قصد غيره الخارج عن هذا الزّمان ، ففي صورة العلم لو نوى غيره لا يقع لواحد منهما ، وسيأتي البحث عن هذا إنشاء الله تعالى .
هذا ، والظاهر أ نّ الحكم بالصحّة في صورتي الجهل والنسيان مسلّم بينهم ومجمع عليه كذلك(1) ولم يخالف فيه أحد ، غاية الأمر أ نّ البحث إنّما هو من جهة كونه على وفق القاعدة بحيث لو فرض أ نّه لو لم يكن في المسألة دليل آخر على الصحّة لقلنا بها وفقاً للقاعدة ، أو أ نّه على خلافها، ولو لم يكن هناك رواية لما قلنا
- (1) تذكرة الفقهاء 6: 10، جواهر الكلام 16 : 205 ، مستمسك العروة 8 : 201 .
( الصفحة 19 )
بها، أو اقتصرنا على خصوص موردها ، الظاهر هو الأوّل ; لأنّ الحكم بالصحّة في جميع موارد الخطأ في التطبيق يكون على هذا المنوال ، فإذا إئتمّ بإمام بتخيّل أ نّه زيد فتبيّن كونه عمرواً العادل ، فالظاهر صحّة جماعته للإئتمام بإمام عادل وإن تخيّل كونه زيداً وأخطأ في التطبيق .
وعلى تقدير كون الحكم على خلاف القاعدة ، فقد وردت في المسألة روايتان مرتبطتان بالمقام :
إحداهما : موثقة سماعة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل صام يوماً ولا يدري أمن رمضان هو أو من غيره ـ إلى أن قال : ـ إنّما يصام يوم الشك من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان ; لأ نّه قد نهى أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك ، وإنّما ينوي من الليلة أ نّه يصوم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل الله ـ عزّوجل ـ وبما قد وسّع على عباده ، ولولا ذلك لهلك الناس(1) .
ومن الواضح: أ نّ موردها صورة الجهل والشك ، وهل يكون مقتضى إلغاء الخصوصيّة إلحاق صورة النسيان بالجهل أيضاً لوجود العذر ؟ والحقّ أن يقال : إن قلنا بكون الصحّة في مورد الجهل على وفق القاعدة يكون الحكم في صورة النسيان أيضاً ذلك ; لعدم الفرق من جهة ثبوت العذر ، وإن قلنا بكونها في مورده على خلاف القاعدة يمكن أن يقال بالاختصاص ; لاختصاص مورد الرواية بصورة الشك والجهل .
ويمكن أن يقال : إنّ قوله (عليه السلام) «بتفضّل الله» إلخ يشعر بل يدلّ على الاحتمال الثاني
- (1) الكافي 4 : 82 ح 6 ، تهذيب الأحكام 4 : 182 ح 508 ، الاستبصار 2 : 79 ح 240 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 21 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 5 ح 4 .
( الصفحة 20 )
وإن كان لا يدلّ على اختلاف الحقيقة والماهيّة ، كما عرفت في كلام المحقّق العراقي (قدس سره) .
وجه الإمكان، أنّه لو كانت الصحّة على وفق القاعدة لما كان الإجزاء عن شهر رمضان بتفضّل من الله تعالى وبما قد وسّع على عباده ، بل الإجزاء يكون حينئذ على ما تقتضيه القاعدة الأوّلية .
ولكنّ الظاهر عدم الدلالة ولا الإشعار أيضاً بذلك ; لعدم إقتضاء الحكم بالإجزاء عن الرمضان ذلك ، خصوصاً مع نيّة الصوم بعنوان شعبان قضاءً أو كفّارة أو غيرهما من العناوين متّكأً على استصحاب عدم دخول رمضان ، ولازمه عدم وجوب الصوم بعنوان رمضان .
ثانيتهما : رواية الزهري ، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث طويل مشتمل على قوله (عليه السلام) : لو أ نّ رجلاً صام يوماً من شهر رمضان تطوّعاً وهو لا يعلم أ نّه من شهر رمضان ثمّ علم بذلك لأجزأ عنه ; لأ نّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه(1) .
هذا ، ولكنّ الرواية ضعيفة السند وإن كان الظاهر أنّ استناد المشهور إلى الروايتين يجبر الضعف حسب الظاهر على تقديره ، والعمدة فيها هو التعليل الواقع فيها بقوله (عليه السلام) : «لأ نّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه » ، والمراد منه ظاهراً ما ذكرنا من تعلّق الوجوب بهذا اليوم بعنوان رمضان ، ومرجعه إلى الخصوصيّة الزمانيّة الموجودة فيه ، وهذه العلّة وإن كانت موجبة لعدم اختصاص الحكم بالجاهل وجريانه في الناسي أيضاً، وإن كان مورد الرواية صوم يوم الشك وثبوت الجهل ; لأ نّ التعليل يعمّم ويخصّص كما في سائر الموارد ، إلاّ أ نّ الظاهر ثبوت المغايرة بينها
- (1) الكافي 4 : 85 ح 1 ، تهذيب الأحكام 4 : 296 ح 895 ، الفقيه 2 : 47 ح 208 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 23 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 5 ح 8 .
( الصفحة 21 )
وبين علّية التفضّل كما في الرواية السابقة ; ضرورة اقتضاء هذه العلّة بوضوح وظهور لكون الحكم بالصحّة على وفق القاعدة ، بخلاف العلّة السابقة الظاهرة في العدم ، أو عدم ثبوت الظهور لها أصلاً كما قلنا ، إلاّ أن يقال : إنّ اختلاف الروايتين في مفاد العلّة لا يقدح فيما نحن بصدده، وإن كان لعلّه له قدح بالإضافة إلى بعض المسائل الآتية ، فانتظر .
وكيف كان ، لا مجال للمناقشة في الحكم بالصحّة في صورة الجهل ، وكذا في صورة النسيان بعنوان رمضان والإجزاء عنه ، إنّما الكلام في صورة العلم التي عرفت أ نّ ظاهر المتن أ نّه إذا كان مع نيّة غير رمضان فلا يقع لواحد منهما ، فهنا حكمان :
أحدهما : عدم الوقوع عمّا نوى من غير رمضان مع العلم بأ نّ اليوم من رمضان .
ثانيهما : عدم الوقوع عن رمضان مع عدم نيّته ، فهنا أمران لا ارتباط لأحدهما بالآخر .
وقد استدلّ بعض الأعلام (قدس سره) على ما في تقريراته في شرح العروة على الأمر الثاني بأ نّه لا ينبغي الشك في عدم الصحّة لعدم إتيانه بالمأمور به ; فإنّه كان متقيّداً بعدم قصد عنوان آخر ، والمفروض قصده ، فما هو المأمور به لم يأت به ، وما أتى به لم يكن مأموراً به من رمضان ، والإجزاء يحتاج إلى دليل، ولا دليل(1) ، وقد ذكر قبل ذلك أ نّه لم يظهر من شيء من الأدلّة لا الكتاب ، ولا السنة أخذ عنوان شهر رمضان في صحّة صومه حتى يلزم قصده ، بل اللازم تعلّق القصد بنفس الصوم مع
- (1) المستند في شرح العروة 21 : 19 .
( الصفحة 22 )
العلم بأ نّ غداً من رمضان، كما هو ظاهر قوله تعالى: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(1)أي من علم بالشهر يصوم ذلك الشهر بحيث يكون الشهر ظرفاً للصوم ، لا قيداً مأخوذاً في العنوان ليلزم تعلّق القصد به . نعم ، يعتبر أن لا يقصد عنواناً آخر من العناوين المضادّة لرمضان(2) .
أقول : قد عرفت أ نّ عنوان رمضان وخصوصيّته ليس كسائر العناوين الطارئة ; فإنّ شهر رمضان زمان مخصوص لا عنوان ، فالوجه في عدم وقوعه عن رمضان ـ مضافاً إلى التسالم بحيث يعدّ من ضروريّات الفقه وإن لم يكن من ضروريّ الإسلام الموجب إنكاره للكفر والارتداد ـ عدم كون الدّاعي له هو قصد امتثال الأمر المتعلّق بالصوم في خصوص هذا الزمان ، بل الداعي له أمر آخر وجوبي أو استحبابي ، كالإتيان بالصلاة بداعي الأمر المتعلّق بالصوم وهكذا .
وقد استدلّ على الأمر الأوّل بوضوحه بناءً على ما ذكره الشيخ البهائي(3) من أ نّه لا أقلّ من عدم الأمر، فتكون العبادة فاسدة لأجله ، وأمّا على مقتضى مسلكه من جواز الأمر بالضدّين(4) على سبيل الترتّب، فمقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة في المقام .
ونحن وإن اخترنا الجواز في الاُصول لا بنحو الترتّب بل فوقه، كما قد قررّناه في محلّه ، إلاّ أ نّ الظاهر أنّ هذا الحكم أيضاً ضروري لا حاجة فيه إلى إقامة الدليل وإن كان هنا بعض الروايات غير نقيّة السند ، لكنّ الظاهر تماميّة دلالتها وإن وقعت
- (1) سورة البقرة 2 : 185 .
(2) المستند في شرح العروة 21: 18.
(3) اُنظر الحبل المتين 1 : 80 .
(4) أجود التقريرات 2 : 79 ـ 89 .